هل تتذكَّر عندما كنت تخسر أحياناً في إحدى الألعاب التي كنت تلعبها عندما كنت صغيراً مع أصدقائك أو زملائك في المدرسة؟.
ليس من السهل علينا ونحن في عمرنا الحالي أن نحتمل مشاعر الخسارة، وخاصة أنها مرتبطة بمشاعر الفشل؛ فكيف يمكن للطفل أن «يستوعب» طعم الخسارة؟.
وكيف يمكن للأهل أن يساعدوا طفلهم على مواجهة مشاعر الخسارة والفشل، وتعزيز قدرته على تحويل هذه المشاعر إلى «دعم» إيجابي يحثُّه على تحقيق النجاح؟.
لا يعدُّ صوت الصراخ والبكاء ونوبات الغضب من المظاهر «الغريبة» داخل بعض الأسر التي تضمُّ مجموعة من الأطفال في العمر ذاته.
كما أنَّ هذه الأصوات يمكن أن تكون من الأصوات الأساسية والمرافقة لبعض الألعاب التي يلعبها الأطفال.
إذ إنه من المؤكَّد أن لا يربح جميع الأطفال المشاركين في اللعبة، ومن الطبيعي أن يكون هناك رابح واحد فقط.
الطفل يكره الخسارة، إلا أنَّ عليه «تقبُّلها»من الطبيعي ألا يتقبَّل أيُّ شخص منا فكرة الخسارة بسهولة، إلا أنه من الخطأ أن نبتعد تماماً عن القيام بأيِّ شيء ونبتعد عن «المحاولة»، فقط لكوننا «نخشى» الخسارة.
وعلى الرغم من أنَّ الأطفال قد يخشون الخسارة، إلا أنه من الخطأ أن «ندعهم» يبتعدون عن اللعب فقط لكونهم يخافون الفشل.
ويقول الخبراء، إنَّ مشاعر الفشل- وعلى الرغم من سلبيتها- إلا أنَّ التعامل معها بحكمة يمكن أن يحوِّلها إلى مشاعر إيجابية تساعد على تدعيم قدرة الطفل على تحقيق النجاح.
ومن الطبيعي أن يكره الطفل الذي يكون دون العاشرة من العمر، الخسارة، حتى وإن لم تكن خسارته فردية؛ أي أنه يكره هذه المشاعر وإن كان يلعب بمشاركة صديقه وقد خسرا معاً ضد صديقين آخرين.
وفي كثير من الأحيان قد نجد بعض الأطفال الذين يميلون إلى الابتعاد عن مشاركة أصدقائهم اللعب، فقط لأنهم يخافون من الفشل.
إلا أنَّ هذه الحالة لا يمكن أن تعدَّ صحية أبداً؛ فإن لم يتعرَّض الطفل للخسارة فكيف يمكن له أن يتعلَّم أن ينجح في المرات القادمة؟.
وهنا يأتي دور الأهل والمدرسة في محاولة دمج الأطفال في اللعب، كما أنهم يجب أن يساعدوا الطفل «الخاسر» على احتواء مشاعره السلبية هذه وتحويلها إلى مشاعر إيجابية مهما بدا هذا الأمر صعباً.
للأهل دور مهم في مساعدة الطفل «الخاسر»من الخطأ أن يعتقد الأهل أنَّ تصرفات طفلهم السلبية، كالبكاء ونوبات الغضب التي تنتابه عند الفشل، هي جزء من شخصية الطفل، والتي لا يمكن تغييرها أبداً. ويقول الاختصاصيون في مجال علم نفس الطفل والتربية، إنَّ الطفل لم يوجد بشكل منعزل عن بيئته وأهله وأصدقائه، بل إنه كائن مثلنا تماماً؛ يتأثَّر بأهله وشخصيتهم وطريقة تعاملهم معه والبيئة التي نشأ فيها.
وعندما يتصرَّف الطفل بهذه الطريقة السلبية عند تعرُّضه للخسارة، فإنَّ على الأهل أن يفكِّروا في الصورة التي رسموها في ذهنه بطريقة غير مباشرة عن الخسارة والشخص الخاسر.
إذ يعتقد الأطفال- وغالباً ما تأتي هذه الفكرة سواء من الأهل أم الأقارب أم المدرسة والبيئة التي ينشأ الطفل ضمنها- أنَّ الشخص الخاسر يمكن أن يعدَّ شخصاً «فاشلاً» وغير صالح لأيِّ شيء، ولا يمكن لأيِّ شخص أن يحترمه أو يحبه.
وبالتالي، فإنه إما أن يبتعد عن ممارسة أيِّ لعبة ويتجنَّب المنافسة نهائياً، أو يتابع اللعب و»ينفجر» في البكاء والغضب عند الخسارة، أو قد يهدِّد أصدقاءه بالانسحاب من اللعب في حال شعر بأنه يمكن أن يخسر مع نهاية اللعبة.
ويمكن لهذه التصرفات أن تؤثِّر في قدرة الطفل على إقامة صداقات مع زملائه في المدرسة، فمن يمكن أن يلعب مع أحد يهدِّد بالانسحاب كلما شعر بالخسارة؟ أو قد ينفجر بالبكاء والغضب ويتشاجر مع الرابح؟.
ولكن، كيف يمكن للأهل أن يساعدوا طفلهم على مواجهة المشاعر السلبية لكي يتجنَّبوا «تدهور» علاقات الطفل الاجتماعية الضرورية له في هذه السن؟.
ركِّز على جهد الطفل قبل التركيز على النتيجةيميل الكثير من الأهل إلى توبيخ الطفل على خسارته، ويمكن لهذا التصرف أن يزيد من مشاعر الغضب والكره لدى الطفل. ولن تساعد هذه المشاعر السلبية أبداً على أن تقدِّم للطفل الدعم الإيجابي في المرات القادمة. وينصح الخبراء بأن يركِّز الأهل على جهد الطفل المبذول، وأن يؤكِّدوا له أنه قادر على بذل جهد أكبر في المرة القادمة.
لا تسأل الطفل: «هل قدَّمت أحسن ما عندك»؟ليس من الجيد أبداً أن يسأل الأهل طفلهم عند خسارته في أيِّ لعبة قام بها، إن قدَّم أحسن ما عنده.
إذ إنَّ الطفل سيشعر بأنَّ «أفضل ما لديه» لا يعدُّ كافياً لتحقيق النجاح، وبما أنَّ هذا أحسن ما لديه، فإنه لن يكون بالتالي قادراً على تحقيق النجاح أبداً في حياته؛ ما يمكن أن يزيد من تعاسته وحزنه.
كما يمكن أن يفكِّر الطفل في هذه الحالة، أنَّ إمكاناته «محدودة» ولن يتذوَّق طعم النجاح في حياته.
أكِّد للطفل أنه ليس من «العيب» أن يخسرفي حال كان طفلك يمارس أيَّ لعبة أو هواية، كممارسة كرة السلة مثلاً، فإنه لن يستطيع التعلُّم ما لم يخسر لمرات عدة.
ومن الضروري أن يؤكِّد الأهل لطفلهم أنه ليس من «العيب» أن يخسر، وأننا جميعاً قد خسرنا لمرات عدة في حياتنا، إلا أننا استطعنا مواجهة هذه الخسارات وحوَّلناها إلى نجاح.
ويمكن للأهل أن يحدِّثوا أطفالهم عن بعض الإخفاقات التي مرُّوا بها وكيف واجهوها، وأنه من الطبيعي أن «نجرِّب» و»نفشل» و»نجرِّب» و»نربح».
لا يمكن لأحد أن يربح «دائماً»على الأهل أن يؤكِّدوا لطفلهم أنه لا يوجد أحد يمكن أن يربح دائماً وبشكل متواصل.
وهنا على الأهل أن يعزِّزوا ثقة الطفل بنفسه وبقدراته من دون أن يوبِّخوه عند الخسارة.
اخيرا
كن مثالاً صالحاً
إنَّ الطفل لا يمكن أن يولد ناضجاً وعاقلاً، بل إنه يكتسب هذه الصفات الإيجابية من خلال أهله.
وفي حين كنت أنت نفسك تثور غضباً عندما تخسر أو عندما يخسر طفلك، فإنه من الخطأ أن تستغرب غضب طفلك.
وهنا، حاول أن تتقبَّل، أنت، الخسارة أولاً، بحيث تعلِّم طفلك أن يتجاوزها هو الآخر، ويحوِّلها إلى نجاح في المرات القادمة