أسماؤنا المستعارة

أسماؤنا المستعارة


صحيح أنَّ الإنترنت وفَّرت لنا مساحة لم نكن نحلم بها على مدى التاريخ للتعبير عن آرائنا ومكنونات أنفسنا، لا بل إنها جعلت كلَّ إنسان يمتلك جهاز كمبيوتر وحساباً إلكترونياً يصبح ناشراً بامتياز بعد أن كان مجرد نشر سطر أو سطرين في جريدة في باب ردود القراء يأخذ أحياناً شهوراً وأحياناً سنين.

ولعل أشهر ثمرات الإنترنت تلك المواقع التي توفِّر لروّادها منتديات من كلِّ الأصناف والأنواع للمساهمة فيها بأفكارهم وآرائهم، ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكثر من الهمّ على القلب كما يقول المثل الشعبي، فبعد أن ملأ «فيس بوك» الدنيا وشغل البشر لعدة سنوات، ها هي شركة «غوغل» العملاقة على وشك إطلاق مواقع تواصل اجتماعي أكثر ثراء من «فيس بوك» وغيره لامتلاكه القدرة على التواصل المرئي وغيره الكثير.

لكن، هل جعلنا هذا الانفتاح الإعلامي المذهل أكثر تحرراً وقدرة على النقاش والانخراط مع الآخرين والتعبير عن أنفسنا بحرية وجرأة؟، من أسف الجواب لا، فما زال الملايين منا يختارون لأنفسهم أسماء مستعارة كي يتواصلون بها مع الآخرين عبر الإنترنت.

قد يقول بعضهم إنَّ هذه الظاهرة عائدة إلى منسوب الحرية والديمقراطية في هذا البلد أو ذاك. وهذا صحيح، فالغربيون أكثر قدرة على التعبير عن آرائهم السياسية من شعوب العالم الثالث التي مازالت تدفع ثمن مواقفها وآرائها سجناً وملاحقة ومضايقة.

لكن، ظاهرة الأسماء المستعارة على الإنترنت ليست ظاهرة مقتصرة على البلدان التي ينخفض فيها مستوى الحرية، بل موجودة بدرجات كبيرة حتى في البلدان الديمقراطية.

لقد حاولت كثيراً الإجابة عن السؤال القائل: لماذا ندخل إلى الإنترنت بأسماء مستعارة، لماذا لا ندخل بأسمائنا الحقيقية، وماذا كنا سنكتب لو دخلنا بأسمائنا؟..

الجواب عن هذا السؤال وفَّره لي أحد روّاد المنتديات الذي، ومن أسف شديد، قال في آخر مساهمته الجميلة إنه يكتب باسم مستعار.

مع ذلك فهو يسأل أقرانه من ملايين المتخفّين وراء شاشة الكمبيوتر: «لماذا تجهدون وتتعبون أنفسكم من أجل اسم لا أحد يعرف من هو صاحبه؟

قرأت، وبحثت، وسألت حقاً: لماذا نحن نكتب تحت ظلّ أسماء مستعارة دون أن نفكِّر مرة في التسجيل بأسمائنا الحقيقية؟
انا لا أقول إنني أعترض على الكتابة بأسماء اخترناها نحن بأنفسنا، ولكنني أحاول أن أتخيَّل كيف ستكون المنتديات لو كتبنا بأسمائنا الحقيقية؟
ترى هل سيكون ما نكتبه وقتها مغايراً لما نكتبه نحن الآن؟
هل للأفضل أم للأسوأ؟..
هل نستطيع أن نكتب بأسمائنا الحقيقية أم لا؟
هل نتصرَّف مع الأعضاء في الردود كما لو كانت أسماءنا الحقيقية أم لا؟
الإجابة تختلف من شخص إلى آخر، يضيف صاحب الاسم المستعار، تبعاً لاختلاف وجهات النظر وتعدّد الرؤى والخبرات والظروف المحيطة بالفرد العضو.

كم هم الأشخاص الذين صادفناهم في المنتديات وعلمنا أنهم يكتبون بأسمائهم الحقيقية؟ للمصادفات أقول: لا أحد! أو نادراً! أعتقد أنَّ الهدف من التسجيل في المنتدى له دور في معرفة الإجابة عن كثير من الأسئلة التي تراودنا، لكني أرى هدفاً غير ذلك أيضاً، وهو ليس بالضرورة مرتبطاً بمسألة الخوف من المساءلة السياسية، فالكثير من المشتركين يكتب بأسماء مستعارة ليجد مساحة أوسع من الحرية في التعبير عن الرأي وإبداء وجهات النظر، ففي «حياتنا اليومية تواجهنا مواقف قد نعجز عن التجاوب معها»، يجادل صاحب الفكرة، وذلك «لحساسيتها بالنسبة إلينا أو لعدم قدرتنا على المواجهة وجهاً لوجه». لكن في المنتديات الأمر يختلف تماماً، فقد اعترف كثيرون بأنهم يكتبون بأسماء مستعارة ليتمكَّنوا من التعبير عن أنفسهم كيفما يشاؤون دون رقيب غير ضمائرهم ودون ضغوط المنصب أو المركز الذي يشغلونه.

وفي معرض تحليله لمسألة الكتابة بأسماء مستعارة يرى الكاتب أنَّ «الأمر يزداد خطوره حين تكون هذه الأسماء المستعارة مظلة نرتكب تحتها الكثير من الأخطاء، والتفاهات، وتجاوز المعقول الذي يفرضه الأدب والعقل والدين أولاً وأخيراً.

والمسألة تتعقَّد وتتَّخذ منحى سلبياً حين تكون هذه الأسماء المستعارة غطاء نمارس تحته ما تمليه علينا أنفسنا الأمَّارة بالسوء وانفعالاتنا اللحظية، وهي حقيقة واقعة، فكثيرون يسجِّلون بأسماء مستعارة ليمارسوا التفاهات أشكالاً وألواناً، في حين هم في الواقع أساتذة أفاضل أو مربّون قدوة أو شخصيات مهمة ينظر إليها الكلّ بعين الإكبار والاحترام والتبجيل.

أما لو دخلوا بأسمائهم الحقيقية لانقلب الوضع، ولحسبوا ألف حساب لكلِّ كلمة قبل أن يرسلوها.

إذاً، لِمَ لا نُعلي من شأن أنفسنا ونسمو بها سواء بهذا الاسم أم بذاك، يتساءل المشاركون بأسماء مستعارة؟..
إنها لعبة الحياة القديمة الجديدة.
فكما يحاول الإنسان أن يتلاعب بالحياة بتركيبها وتفكيكها من خلال الدراما، فربما أنه من خلال الكتابة بأسماء مستعارة يحاول أن يتمرَّد على حياته ليعيشها بأكثر مند دور.
وأخيراً،


هل تعتقدون أنَّ الإنترنت ستكون أقل متعة فيما لو دخل الجميع إليها بأسمائهم الحقيقية؟..



المقاله للأستاذ فيصل القاسم






نحن نكتب بأسماء مستعارة ولكن تقريبا معظمنا يعرف شخص آخر في هذا المنتدى

سؤالي أنا :كم تجد من المصداقية التي يتكلم بها صديقك على النت من الذين تعرفهم أنت شخصياً؟