معرض «أعمال يدوية».. لوحات هرب منها الفن

معرض «أعمال يدوية».. لوحات هرب منها الفن
من
المؤكَّد أنَّ المعارض التي تُقام في المراكز الثقافية تكلِّف الجهات
المسؤولة مبالغ تصرف على تجهيز الصالة وطباعة بطاقات الدعوة. ومن المؤكَّد
أنَّ هذه التكاليف لن تكون على قائمة الهدر لو أنها خُصِّصت لمعارض فنية
تحقِّق الهدف منها؛ من حيث رفع الذائقة الفنية للجمهور، ودعم الفنان
والتعريف به..
وإذا كان حصول الفنان على صالة عرض في أحد المراكز
الثقافية يتطلَّب منه تقديم طلب إلى مديرية الثقافة مرفق بنسختين؛ واحدة
للمديرية وأخرى للمركز الثقافي المختار، حيث تجتمع لجنة لتقرِّر ما إذا
كانت الأعمال المُقدَّمة ذات سوية تستحقُّ العرض أم لا، فإنه لن يكون من
المجحف إطلاق حكم انخفاض الحسّ الفني عند اللجنة التي سمحت للرسامة رهام
وليد خطاب بحجز إحدى صالات المركز الثقافي العربي (المزة) لمعرضها "أعمال
يدوية"..

ذلك لأنَّ أفضل ما يمكن وصف المعرض به هو أنه مستوحى من
حصة الأشغال اليدوية المدرسية؛ فبغضِّ النظر عن الأسعار المرتفعة التي
حُدّدت للأعمال وغير المتوافقة مع نوعيتها الفنية أو مع جودة خامتها،
فإنَّ الأعمال لم تنجح في تقديم أيّ قيمة فنية، حيث لم تحمل للزائر هوية
فنية وبصرية واحدة ومميَّزة، كما أنَّ البعد عن التجريد أو الرمزية في
تجسيد عنوان كلّ عمل جعلها تشكو من المباشرة الصادمة، فقد تجاهلت صاحبة
المعرض كون الفن أحد ضروب الخيال والذهاب في أبعاد أعمق من أبعاد ومقاسات
الواقع، وإذا كانت الذريعة في هذا التجاهل هي الاستعانة بالمدرسة الواقعية
في إعادة صياغة الحياة في لوحة، فإنَّ "خطاب" فشلت في ذلك في لوحتي "غروب
عند الآثار" و"حارة شامية"، كما أنها لم تنجح في إعادة بناء أفكارها
بأسلوب رمزي في لوحات عدة منها (خريطة فلسطين، وخريطة سورية)، حيث اكتفت
برسم خريطة فلسطين وتحتها عين باكية في اللوحة الأولى، وخريطة سورية وعين
باكية في الثانية!!..
فالاستسهال وانعدام التكنيك الفني سمتان كانتا
طاغيتين في ما قدَّمته خطاب، وكأن الفن في مفهوم صاحبة المعرض هو بسهولة
القص واللصق، أو التجميع بهدف التجميع، بدليل أنها استخدمت العبارات
والجمل لإيصال الفكرة التي من الواضح أنها عجزت عن نقلها فنياً..

وهنا
يحقُّ لنا أن نسأل اللجنة المسؤولة عن تقديم معرض رهام وليد خطاب في
المركز الثقافي عن القواعد والقيم الفنية التي وافقت على أساسها على
المعرض، وعن الإضافات الفنية التي قدَّمها معرض "أعمال يدوية" للزائر؟..
فصحيح أنَّ الفن والجمال من الأمور النسبية التي تقبل التأويل، إلا أنَّ
القيم والأسس تبقى ثابتة، ولذلك فإنَّ هذا السؤال من الأمور المشروعة، خاصة
إذا ما أخذنا في الاعتبار أنَّ المعارض ذات القيم الهابطة تعني تبذيراً في
ميزانية المديرية من جهة، وفي صالات العرض ووقت الزائر من جهة أخرى،
فالأحرى بهذه الأموال والصالات أن تُوجّه لدعم الفن الحقيقي، مع الإشارة
إلى أنَّ العديد من خريجي كلية الفنون الجميلة بحاجة إلى دعم ومساعدة.