أن تفقد نعمة البصر فتلك مصيبة ... لكن أن تفقد نعمة البصيرة فتلك المصيبة الأعظم ...
سأسرد عليكم قصتي ..
أمي كانت بعين واحدة ، لقد كرهتها ... كانت تسبب لي الكثير من الإحراج ، حيث كانت تطبخ للطلاب و المعلمين كي تساند العائلة في تحصيل المصروف ..
ذات يوم بينما كنت في المدرسة جاءت أمي لتلقي علي التحية ، لقد كنت محرجاً جداً .. فتجاهلتها ... رمقتها بنظرات حقد ... و هربت بعيداً..
في اليوم التالي أحد طلاب الصف وجه لي كلامه ساخراً :" أمك تملك عيناً واحدة "
عندها خجلت كثيراً و تمنيت أن تنشق الأرض و تبتلعني .... كيف سأتخلص من هذه المصيبة ... لكنها أمي و مع ذلك تمنينتها أن تختفي للأبد ..
قررت الخروج من المنزل هرباً من مصيبتي و بحثاً عن دراستي و مستقبلي ... و أتيحت لي فرصة للسفر خارج البلاد .
كنت مجداً مثابراً مقبلاً على الدنيا و مباهجها ... انتقلت من نجاح إلى نجاح ... بعد ذلك تزوجت .. و امتلكت منزلي الخاص ، و كنت سعيداً بحياتي الجديدة مع زوجتي و أطفالي .
في أحد الأيام ..... جاءت أمي لتزورني في منزلي فهي لم ترني منذ أعوام ... و لم ترَ أحفادها و لو لمرة واحدة .
عندما وقفت على باب منزلي بدأ أطفالي يضحكون من هذه العجوز .
لقد صرخت في وجهها بسبب قدومها بدون موعد : " كيف تجرأت و قدمت لمنزلي و أرعبت أطفالي ؟ "
جاوبت بصوت رقيق " عذراً يا ولدي .. آسفة جداً ... فقد أخطأت العنوان "
منذ ذلك الحين ... اختفت أمي .... و تابعت حياتي العادية دون نكد أو مشاكل .
بعد سنتين تفاجأت بوصول رسالة من المدرسة التي كنت أدرس فيها في شبابي ... كانت الرسالة بمناسبة ( لمّ الشمل ) حيث بادرت إدارة المدرسة إلى جمع طلاب المدرسة مع ذويهم ، و دفعني حنيني إلى المدرسة إلى الحضور فتظاهرت أمام زوجتي أنني سأسافر إلى خارج البلد في عمل ضروري .
حضرت إلى المدرسة و استعدت بعض ذكرياتي ... لكنني لم أجد أحداً من أهلي ... دفعني الفضول إلى التوجه إلى كوخي العتيق ... و هناك أخبرني أحد جيراني " لقد توفيت والدتك ! "كان خبراً عادياً ... فأمي مسنة و قد أحرجتني كثيراً بمستواها الاجتماعي و بشكلها فقد كانت بعين واحدة ... تخلصت من الكابوس أخيراً .أعرف أن والدتي كانت فقيرة الحال و لا أظنها أنها تركت لي أموالاً أتنعم بها ... و مع ذلك أخبرني الجيران أنها تركت لي رسالة و أصرت كثيراً في وصيتها أن أقرأ هذه الرسالة ... و فعلاً قررت قراءتها فربما قد أخفت بعض الأموال في مكان ما ...
فتحت الرسالة أخيراً و بدأت القراءة :
( ابني العزيز ... لم أبرح أفكر فيك طوال الوقت ... أنا آسفة لقدومي إلى بيتك و إرعابي لأطفالك ...
لقد كنت مسرورة عندما عرفت أنك قادم في يوم لم الشمل في المدرسة ...
لكنني لم أكن قادرة على النهوض من السرير .... و عندما أيقنت أن المرض لن يتركني إلى يوم لمّ الشمل ... فقد قررت أن أكتب إليك رسالتي الأخيرة ... أنا آسفة يا ولدي ... فقد كنتُ مصدرَ إحراج لك في فترة صباك .... كنت أبكي خوفاً عليك ياولدي ... و سامحني يا ولدي لأنني كنت أبكي عليك بعين واحدة فقط ...
سأخبرك قصة لطالما تمنيت إخفاءها عنك يا ولدي ...عندما كنت طفلاً صغيراً تعرضتَ لحادث سيارة ، و فقدت إحدى عينيك لكنني كأم لم أستطع الوقوف و أشاهدك أمامي بعين واحدة فقط .. لذا فقد تبرعت لك بإحدى عيني ... كنت فخورة جداً بابني الذي كان يريني العالم بعيني تلك .... سامحني يا ولدي أنني أخفيت عنك هذه الحقيقة ... كنت أخاف أن أجرح شعورك ... و لم أكن أريدك أن تشعر بفضل أحد عليك ... أتمنى لك السعادة يا ولدي ... مع حبي لك ... أمك )
سقطت جاثياً على ركبتي ، وقد انهمرت الدموع غزيرة لتغرق وجهي و تغسل قلبي .. لكن بعد فوات الأوان !! ...