منذ بضع سنوات فقط لم تكن اللحية، بأي شكل من أشكالها، تدخل ضمن إكسسوارات
الرجل الأنيق. فهي، إن لم ترتبط بالهيبيز والمتمردين على الأعراف أو الذين
لا يزالون يعيشون عهد تشي غيفارا الذي ولى، فهي ترتبط بغير المبالين ممن
لا يكلفون أنفسهم جهد حلقها، أي الكسالى بكل بساطة.
لكن شتان بين
الأمس واليوم، فنجوم السينما اليوم يتباهون بها ولا يتنازلون عنها حتى في
مناسبات السجاد الأحمر، تهدهد التوكسيدو وربطة العنق في آن واحد،
والرياضيون أيضا يستعرضونها كما يستعرضون قدراتهم الرياضية، مثل بطل الغولف
تايغر وودس.
أما بالنسبة للحملات الترويجية وعروض الأزياء فحدث
ولا حرج، إذ يظهر في الكثير منها رجال وسيمون بلحية، وليس أدل على ذلك من
حملات متاجر «إتش أند إم»، وعروض «بوتيغا فينيتا»، و«رالف لورين»،
و«ديسكارد2»، وغيرها.
هكذا فجأة نفضت اللحية غبار السنين عنها، ولم تعد
إكسسوار الرجل المتمرد أو الكسول، بل عنوان وسامة تثير الإعجاب لما تضفيه
على صاحبها من تميز، بل حتى الشوارب التي كانت محط تنكيت في الغرب لعدة
عقود، وارتبطت في الأفلام بشخصيات كاريكاتيرية، بدأت تزحف إلى الوجه لتتوج
اللحية، مرة على شكل خط رفيع ومرة أكثر كثافة.
بيد أنه على الرغم
من تاريخ اللحية القصير جدا في عالم الموضة العصرية، الذي يعود إلى بضع
سنوات تعدّ على أصابع اليد الواحدة، فإن تحولها إلى ما يشبه الظاهرة
وتناميها وضعها تحت المجهر. البعض يرد السبب إلى تمرد الرجل على ظاهرة
«الميتروسيكشوال» التي عرفت عزها في العقد الأخير، وظهر فيها الرجل بصورة،
وإن كانت لا تتعارض مع رجولته تماما، إلا أنها تظهر الجانب الناعم من
شخصيته.
من خلال اهتمامه بشكله وأناقته، وطبعا يأتي على رأس القائمة
تخلصه من أي شعر لا ينمو فوق رأسه فقط. البعض الآخر يفسرها بأنها أشبه
بالقناع يستعمله الرجل ليخفي إما بشرة هجمت عليها حبوب الشباب وتركت آثارها
محفورة عليها، وإما ليعكس نضجه ورجولته، باعتبار أن اللحية، والشعر عموما،
ترتبط بالفحولة، بدليل أن شمشون الجبار فقد قوته بمجرد أن قصت دليلة شعره.
المهم في كل هذا أن الرجل اكتشف أن اللحية التي تخوف منها طويلا بسبب
إملاءات الموضة، لها جماليات لا يمكنه تجاهلها، منها إخفاء بعض العيوب
والتمويه على شكل الوجه، مثلما تستعمل المرأة الماكياج للتمويه على عيوبها
وإبراز مكامن قوتها.
إلى جانب هذا، سمحت له بأن يضرب عصفورين
بحجر، يتمثل الأول في تبنى جدية أجداده وكلاسيكيتهم، خصوصا وأنها في الماضي
البعيد كانت ترتبط بالأناقة الارستقراطية، والثاني أن يتمرد على موضة
المواسم الأخيرة التي كان هدفها تأنيثه.
ويبقى الأهم، أنها تمنحه
الشجاعة والثقة في اتخاذ قرارات تتعلق بمظهره وأزيائه، لم يكن ليتخذها لولا
تخفيه وراء إيحاءاتاللحية الرجولية. والمقصود هنا أنها تجيز له الحق في
معانقة بعض الأزياء التي يمكن أن تجعل رجولته مادة للتساؤل، والعكس بالعكس،
فهي أيضا تخفف من صرامة بذلة رسمية أو توكسيدو وتكسبهما عصرية جذابة.
ومع ذلك فإن الكثير من الخبراء يؤكدون أنه من الخطأ ربطها بالرجولة أو
بالأحرى الفحولة فقط، بعد أن أصبحت جزءا من أناقة الرجل وإكسسوارا يهتم به
ويلعب بشكلها حسب ما يراه مناسبا له، حتى يعكس من خلالها ما يريد عكسه
للآخرين. فعندما رباها لاعب الغولف تايغر وودس، مثلا، فإنه كان كمن يقول
بأنه يريد أن يبدأ صفحة جديدة من حياته بعد المشكلات التي مر بها في الآونة
الأخيرة.
في المقابل، فإن لحية النجم كولين فاريل تقول إنه قوي وإن
التلاعب معه لا تحمد عقباه، بينما يريد جوني ديب القول إنه لا يهتم
بالكليشيهات ويريد تكسيرها، كذلك الأمر بالنسبة للنجم براد بيت، الذي يريد
أن يؤخذ محمل الجد وليس فقط كرجل وسيم. بالنسبة لهذا الأخير، ما إن صدقنا
أنه تخلص منها حتى عاد إليها بمجرد انتهائه من تصوير فيلمه «ذي تري
أوفلايف» (شجرة الحياة)، لأن الحقيقة أنه لو لم يكن براد بيت ومر في الشارع
بلحيته هذه لما أثار انتباه أحد. لكن الخطر على ما يبدو يكمن في احتمالية
الإدمان عليها سواء كانت مناسبة لشكل الوجه أم لا.